بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

من كتاب (صفة العالم والمتعلم)

إن تعلمَ الآدابِ التي ينبغي أن يكونَ عليها طالبُ العلمِ ضرُورَةٌ شرعيّةٌ، ندر في طلبةِِ العلمِ الآن من يلتزمُ به، فالكثير منهم يقبل على العلمِ دراسةً و حفظًا دون النظرِ إلى آدابِه، ومن ثم ظهَرت من الأقوالِ الغرائبُ والمنكراتُ، وانتشرت الخلافاتُ والصراعاتُ، وأعجِب كلُّ ذي رأيٍ برأيهِ، ودخَل كلُّ متعالِمٍ بخيلِه و رَجِلِِه، فلم ينتفعِ الناسُ بالعلمِ، وانشغلوا عن المقصودِ الأعظمِ، ونسَوا -أو تناسَوا- أن العلماءَ وطلبةَ العلمِ هم أولى الناسِ وأحقُّهم بالأدبِ وحسنِ الخلقِ؛ لأنهم ورثةُ الأنبياءِ وأكثرُ الناسِ سماعًا لحديثِ النبيِّ r وسيرتِه وأخلاقِه.
- قال الخطيبُ البغداديُّ رحِمه اللهُ: والواجبُ أن يكونَ طلبةُ الحديثِ أكملَ الناسِ أدبًا، وأشدَّ الخلقِ تواضعًا، وأعظمَهم نزاهةً وتدينًا، وأقلَّهم طيشًا وغضبًا؛ لدوامِ قرعِ أسماعِهم بالأخبارِ المشتملةِ على محاسنِ أخلاقِ رسولِ r وآدابِه، وسيرةِ السلفِ الأخيارِ من أهلِ بيتِه وأصحابِه، وطرائقِ المحدثين، ومآثرِ الماضين، فيأخذوا بأجملِها وأحسنِها، ويصدِفوا عن أرذلِها وأدونِها ([1]).
- ولقد كان أتقى الخلقِ r أحسنَ الناسِ خلقًا وأدبًا؛ قال اللهُ تعالى: ]وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ [القلم:4]
- وقال تعالى: ] وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [ [آل عمران:159].
وجعَل رسولُ اللهِ r الغايةَ من بعثتِه تكميلَ محاسنِ الأخلاقِ؛
- فعن أبي هريرةَ t قال: قال رسولُ اللهِ r : "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ"([2]).
وحدَّد r الخيريةَ على أساسِ حسن الخلق  
- فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضِى اللهُ عنهما قال: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ r فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا" ([3]).
وجعَل r  حسن الخلق وصلاح السمت والهدي  جزءًا من النبوةِ؛
- فعن ابنِ عباسٍ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ r:"إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ،
وَالاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ"([4]).
- وبيَّن r أن الخُلُقَ الحسنَ يبلغُ بصاحبِه منزلةَ القائمِ الصائمِ؛
- فعَنْ عَائِشَةَ رضِي اللهُ عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r  يَقُولُ:"إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" ([5])
وعرَّف رسولُ اللهِ r البرَّ -الذي هو كلمةٌ جامعةٌ لأفعالِ الخيرِ وخصالِ المعروفِ- بأنه حسنُ الخلقِ؛
- فعن النواسِ بنِ سمعانَ t قال: قال رسولُ اللهِ r:"الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" ([6]).
وأخبَر أن حسنَ الخلقِ أثقلُ شيئ في ميزانِ العبدِ يومَ القيامةِ؛

- فعن أبى الدرداءِ t قال: قال رسولُ اللهِ r:"مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ فِي الميزانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ"([7]).
- وبيَّن رسولُ اللهِ r أنه أهمُّ أسبابِ دخولِ الجنةِ؛
- فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ فَقَالَ:" تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ"([8])
بل هو سببٌ للقربِ من الرسولِ r يومَ القيامةِ؛
- فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ r قال:"إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا"([9]).




([1]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع  1/78 .
([2]) الحديث أخرجه أحمد في المسند (8729) وابن سعد في الطبقات (468), والبخاري في الأدب (273)، والحاكم في مستدركه (4187)، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ،والبيهقي في الكبرى(19143) ، وفي الشعب(7491)، والطحاوي في المشكل(4432)، والحرفي في أماليه (6). وابن عبد البر في التمهيد (4709)،(4710)، وفي الاستذكار (1016)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (41)، وابن شهاب في المسند (1165)  وابن عساكر في التاريخ(17793)، والبوصيري في الإتحاف(7031).
([3])  أخرجه أحمد (6054)، والبخاري (3559، 3759) ، ومسلم (2321) ، والترمذي ( 1975)، وابن حبان (6442).
([4])الحديث أخرجه أبوداود (4776) و البيهقي في الآداب(193), والبغوي في السنة(3599), والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (210), وابن عبد البر في الاستذكار(1150) وأحمد في المسند (2693), ومن طريقه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (3342) والبخاري في الأدب (793)
([5]) أخرجه ابن وهب في جامعه(506)، وأحمد في المسند(24073)، وأبو داود (4798)، والخرائطي في التواضع والخمول(166)، وفي مداراة الناس(80)، و البيهقي في الشعب(7511)، وفي الآداب (205)،و ابن عبد البر في التمهيد (4475)،و في الاستذكار (1011)، والبغوي في السنة (3500)، (3501)، وفي معالم التنزيل (1292)، والطحاوي في المشكل(4427).
([6]) أخرجه أحمد(17631)، ومسلم (2553)، والترمذي (2389)، وابن حبان (397).
([7])أخرجه أحمد (26970)، وأبو داود (4799)، والطيالسي(1071)،وابن أبي شيبة (25711)، وابن عبد البر في التمهيد (1506)، والآجري في الشريعة(1878)،والبيهقي في الشعب(7518).
([8]) حسن:
أخرجه الترمذي (2004)، والبخاري في الأدب المفرد(294)، وابن أبي الدنيا الورع(134) وفي الصمت(4)، وابن حبان (476)، أحمد في المسند (9403)،وفي الزهد(2349)والبيهقي في الشعب(4563)، و(5002)، و في الآداب (884) ، والبخاري في الأدب (289)، والخرائطي في المكارم (95)، والطيالسي (2596).

([9])جزء من حديث أخرجه الترمذي ( 2018).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق