بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 نوفمبر 2010

التحذير من مسلك أصحاب الإلزامات والبتر والتعالم للشيخ الدكتور : صالح بن سعد السحيمي

الكلمة من درس كتاب فضل الإسلام وكان بتاريخ: [23-08-1431هـ]
قال الشيخ السحيمي حفظه الله: أحملكم نشر هذه الكلمة بأمانة وصدق وبدون أي تحريف لكافة طلبة العلم.
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِيْنُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها الأخوة في الله قبل أن نواصل درسنا في كتاب "فضل الإسلام" لشيخ الإسلام المجدد الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب -يرحمه الله- أود أن أنبّه الإخوة عامة وطلبة العلم خاصة إلى أمر في غاية الخطورة يقع فيه بعض المنتسبين إلى العلم وإنْ شئت قلت يقع فيه بعض أدعياء العلم ، هذه المسألة أنّ البعض من الناس قد يعمدون إلى كلام بعض المشايخ أو طلبة العلم بقصد أو بغير قصد فيحرفونه عن مواضعه، ويحمّلونه على غير معناه بسلوك ثلاثة طرق : 
1- إمّا ببتر كلام المتكلم من المشايخ أو طلبة العلم بحيث يعمد إلى حذف ما قبله وما بعده ، ويلتقط كلمة مجملة لا تتضح إلا بما بعدها وما قبلها، فيشيع بين الناس أن الشيخ الفلاني أو طالب العلم الفلاني يقول كيت وكيت .
الكلمة وحدها إذا سُمعت ربما يكون فيها إشكالاً ،بحيث إذا سمعه أحد ظن بطالب العلم المتكلم الظنون السيئة ، لكن هذا الذي بتر وأطلق الكلمة لا يُدرى عن مراده هل هو فهم قاصر؟؟؟
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
أم لغرض في نفسه تجاه هذا الشيخ أو هذا الطالب أم لإظهار التعالم بأن يقول للناس ها أنا ذا .


2- وإما أن يكون الطريق لتشويه سمعة ذلك الشيخ أو ذلك الطالب، بإلزامه بما لا يلزم وذلك قريب منا الأول بأن يأخذ من الكلام ما يروق له بحيث يَظهر للسامع أنّه يَلزمه كذا وكذا من الإلزامات الفاسدة بسبب الطريقة التي طُرح فيها هذا الكلام .
والقاعدة عند أهل العلم " أن لازم القول ليس بلازم ولازم المذهب ليس بلازم "ولو كان ذلك لازماً لأُلزم كثير من المسلمين الذين عندهم شيء من المخالفات بأمور قد تكون كفرية وحاشاهم ذلك.
وعلى سبيل المثال لو أنّ لازم المذهب أو لازم القول لازم ، لقلنا لمن يؤل بعض الصفات عن شبهٍ عنّت لهم أنهم حلولية أو اتحادية أي من جماعة ابن عربي مثل من يقول أن الله في كل مكان كما هو غالب كثير ممن أبتلي بتأويل الصفات تقليداً لمن سبق أو تأثراً ببعض الأشخاص أو جرياً على المذهب الذي ورثه عن آبائه وأجداده وشيوخه مع أنهم لا يقصدون الحلول لكنها شبهة وقعت في أذهانهم والعياذ بالله، حملتهم على هذا القول الباطل وهو أنّ الله في كل مكان تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
فتجد هذا المتعالم وقد يكون قصده الظهور،يُلزم بعض كلام المشايخ وطلبة العلم بما لا يَلزم ، نعم إنه يقصد فلان ويعني فلان ، ويعني كذا وكذا بقوله ، وهو يؤيد المبتدع الفلاني بقوله أو أنه لا يبدِّع المبتدعة، أو أنّه يرى جواز التتلمذ على المبتدعة مطلقاً، أو نحو ذلك من الإلزامات التي تُتداول هذه الأيام من بعض أدعياء العلم .
3- وقد يكون الطريق بأن يعمد هذا المريض إلى طرح سؤال جيد في ظاهره على أحد علمائنا الأفاضل الكبار، والشيوخ المحققين، هذا السؤال له فيه غرض عندما يطرحه،كأن يقول للشيخ مثلاً وهو لا يدري عن مغزى هذا السائل ، ما رأيك يا شيخ فيمن لم يبدِّع المبتدعة ؟ وله مقصود آخر بهذا الكلام ...أو ما رأيك يا شيخ فيمن يقول أن الله لن يسألك عن فلان في قبرك؟؟؟وهو يقصد أمراً آخراً ، وهو أن يستلّ كلاماً لقول شيخ فاضل قاله مقيداً بقيود معينة، ويعني به أنك إذا لم تعرف هذا المبتدع ولم يظهر لك ابتداعه ، أنّ الله لا يكلفك ما لم تطق ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وهذا حق .
الله لن يسألك في قبرك ولن تسألك ملائكته عن أمر لم يكلفك الله به ، أما لو عرفته وعرفت أنه مبتدع ثم كابرت ودافعت عنه فلا شك أنك ستسأل، وأنك محاسب على ذلك .
لكن إذا لم تكن تعرف حقيقة زيد من الناس ـ فهل لي حق أن أُلزمك أنك تدعو إلى البدعة أو المبتدعة أو إلى مجاملتهم أو إلى التساهل معهم وهل أُلزمك بأنك مسؤول عن شيء لا تعرفه؟!
وأضرب لكم مثالاً ،عندنا عوام مثلاً لا يعرفون بعض المذاهب الضالة كالجهمية والباطنية والخوارج ونحو ذلك ، هؤلاء على فطرتهم ، هل تمتحنهم فإذا لم يعرفوا تلك الطوائف تُلزمهم بأنهم مبتدعة، أجيبوا إخواني، أبداً، هذا ألزام فاسد .
نعم أنت أصِّل لهم العقيدة والمنهج الحق،فإذا فهموه حذرهم من المناهج الضالة الفاسدة.
أمّا أن تأتي وتمتحنهم امتحاناً بقولك ما رأيك في فلان؟هو لا يعرف فلاناً ، فقال لك لا أدري ، ألا تعتقد أنه مبتدع ، يقول لك :لا أدري ، لأنني لا أعرفه ،هل تأتي وتعمد إلى تشويه سمعته،وتنشر عبر زبالات الانترنت تشويه سمعة هذا المسكين،الذي إمّا أنه لا يعرف حقيقة من سألته عنه أو أنك بترت كلامه فتركت الحق وعمدت إلى كلمة توحي إلى المستمع بأن هذا الكلام الذي تكلم به باطل، ثم إنه إذا سأل الشيخ الفاضل عن هذه المسألة ، ما رأيك يا شيخ فيمن يقول كذا وكذا وقد بتر وقدّم وأخّر، أو اقتطع جملة لا تُفهم إلا بما قبلها وما بعدها كما بينت في أو الحديث فيجيب هذا الشيخ الفاضل، إجابة موفقة وإجابة كاملة ،لا غبار عليها ، أنّ من يعتقد كذا أومن يقول كذا لا شك أنّه على باطل .
وكلام الشيخ المتكلم حق، لكن مقصد هذا السائل يتضح فيما بعد .
يذهب إلى زبالات الانترنت وينشر الآتي:"رد الشيخ فلان على فلان "،والشيخ لم يقصد الرد على فلان، وإنما أجابك إجابة علمية موفقة،وفق السؤال الذي طرحته ، والسؤال في ظاهره سؤال جيد عن مسألة عقدية ، ثم تُشيع بين الناس ،إما أن تنشر في الانترنت ،وإمّا أن تشيع أن فلانا يقصد بجوابه فلاناً ،أن الشيخ فلان يقصد بجوابه فلاناً .
وهذا أمر في غاية الخطورة،وأدى إلى ضرب أقوال المشايخ بعضها ببعض ، فقد يُسأل الشيخ نفسه عن طالب العلم الفلاني الذي هو يعرفه،فيثني عليه خيراً ،وقد يَسأل شيخاً آخر ،فيثني عليه خيراً،فيُحدث هذا المبلبل وهذا المتسرع وهذا الذي لا يرقب في مسلم إلاًّ ولا ذمة يُحدث بلبلة بين طلبة العلم وبين المشايخ .
وقد يكون هناك طريق رابع لتشويه السمعة : وهو أنّه يحرِّف الكلم عن مواضعه ويأتي بكلام للسلف عن المبتدعة والملاحدة والمحرفين في الدين، فيحمله وينزله ويطبقه على أحد المشايخ الأفاضل زوراً وبهتاناً وظلماً وعدواناً، ولو حققت في الأمر لوجدت ذلك راجعا إلى مرض في قلبه وشعور بالنقص وتعالم يريد أن يكمل جهله به.
وإني أذكِّر هؤلاء وأولئك بالوقوف بين يدي الله -سبحانه وتعالى- يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم .
أذكِّره بقول الله -سبحانه وتعالى- {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
أذكِّرك بقول الله- سبحانه وتعالى- {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
وأذكِّرك بقول الله تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِـعِ اللَّهَ وَرَسُـولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
وأذكِّرك بقول الله تبارك وتعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}
وأذكِّرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (أمسك عليك هذا) فقال معاذ رضي الله عنه :أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب النَّاسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- يوم القيامة إلا حصائدُ ألسنتهم)

وأذكِّرك بقول النبي- صلى الله عليه وسلم-(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )
وأذكِّرك بقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-"(إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في النار) 
وأذكرك بقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-"أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)
فأوصي المسلمين عامة وطلبة العلم خاصة بأن يربأوا بأنفسهم عن هذا المسلك المشين،وهو تعمّد تشويه سمعة بعض المشايخ وطلبة العلم بالإلزامات والبتر والتعالم وتحميل القول ما لا يحتمل فإنك مسؤول يوم القيامة عن علمك وعن كل كلمة قلتها 
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
فإياك والغمز واللمز {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} ولا سيما غمز طلبة العلم والعلماء والمشايخ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}
وإيّاك إيّاك أن تقول على أخيك بغير علم أن أن تُلزمه بما لا يَلزمه أو أن تبتر كلامه أو أن تفتري عليه ، وعامل الناس بمثل ما تحب أن تعامل به ،وأحب لأخيك ما تحبه لنفسك ،كما أوصاك رسولك الله صلى الله عليه وسلم .
وتأدّب بآداب طلبة العلم الذين يتورعون عن إطلاق أي كلمة تؤذي مشاعر الآخرين ،لاسيما إن كانت من باب الافتراء والإلزامات، واعلم أنك مسؤول عن ذلك كله .
وكفى بعض طلبة العلم ضياعاً ومهاترات وتدابراً وتهاجراً وتقاطعاً وتحاسداً وهم أصحاب منهج واحد وأصحاب عقيدة واحدة وأصحاب توجه واحد.
علينا أن نجتهد في عدم الإصغاء أيضا إلى بعض ما ينشر من أمثال ما بينته عبر زبالات الانترنت، إما بأسماء مجهولة أو أسماء مستعارة أو القاب أو كنى تراها كباراً وأهلها صغاراً
وعليك أن تتثبت يا عبد الله مما تسمع ومما ينسب إلى إخوانك بدلاً من أن تشيع الأذى وتسهم في إشاعة الباطل بين إخوانك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)
إن كثيراً من هؤلاء المرضى سَلِم منهم المبتدعة والكفار ولم تسلم من ألسنتهم أعراض العلماء وأعراض إخوانهم المسلمين وطلبة العلم .
فأوصيكم ونفس بتقوى الله عز وجل والبعد عن هذه المهاترات والبعد عن سماع هذه الإلزامات أو تصديقها أو النظر بها أو إضاعة الوقت في قراءتها، ثمّ إنه يلمزك أن تذُب عن عرض أخيك الذي يُفترى عليه بهذه الطريقة فإنك مأجور على ذلك بإذن الله تعالى ،واجتهد في حفظ وقتك فيما ينفعك في أمر دينك ودنياك بدلاً من هذه المهاترات " لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ)
وأوصيكم بهذه المناسبة أن تقرأوا كتابين عظيمين في هذا الباب أو ثلاثة كتب ،الكتاب الأول وهي على سبي المثال وإلا الكتب في هذا الباب كثيرة :
1)كتاب "الفرق بين النصيحة والتعيير" للحافظ ابن رجب -يرحمه الله- .
2) والثاني كتاب "حلية طالب العلم " للشيخ بكر أبو زيد -يرحمه الله- والذي سبق أن شرحناه في هذا المسجد.
3) والثالث كتاب "التعالم" للشيخ بكر أبو زيد أيضاً -يرحمه الله- 
واقرؤوا كتاب شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر (رفقاً أهل السنة بأهل السنة) وغير ذلك من كتب مشايخنا وعلماءنا السلف القدامى،استفد من هذه الكتب وارفق بإخوانك ولا تشتغل بما لا تحسنه ومالا تتقنه .
وإيّاك والالزامات والبتر، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله عز وجل "من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وفي رواية {فقد آذنته بالحرب}"
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني وإياكم بما سمعنا وبهذه الكلمات وأن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يوفق المسلمين عامة وطلبة العلم خاصة للاجتماع على كلمة سواء ، على كلمة التوحيد وعلى المنهج الحق، الذي هو منهج الأنبياء والمرسلين، والذي فيه الحكمة والعقل، منهج الأنبياء والمرسلين فيه الحكمة والعقل كما بين ذلك شيخنا الشيخ ربيع- حفظه الله- في كتابه المعروف وقدّم له شيخنا الشيخ صالح بن فوزان الفوزان وعنوانه "منهج الأنبياء فيه الحكمة والعقل" .
والسير على هذا المنهج الذي قامت وتقوم عليه بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية منذ ثلاثة قرون ولله الحمد والمنّة، فاجتهدوا في سلوك هذا المنهج والسير عليه وسؤال الله الثبات، والجد والاجتهاد في حفظ اللسان عن كل ما يشين وعن كل ما لا يليق وعن كل ما يُردي صاحبه الردى .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ )
أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
أسأل الله أن تبارك وتعالى أن يرينا وإياكم الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه
وعلى المسلم دائماً أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) 
مما حملني على القاء هذه الكلمة اليوم رسائل تكررت عندي في الجوال، يقول أصحابها أنت عندما قلت كذا وكذا تقصد فلاناً وعلاناً ، وأيضاً خطابات تأتي من هنا وهناك أو إلزامات عبر أشرطة وخطابات وتوجهات يدّّعي أصحابها أو يُلزموا أصحابها المشايخ بما لم يقصدوا ويحمّلوا طلاب العلم ما لا يحتملوا وهذا كثير،فعلينا أن نتقي الله عز وجل قبل أن نصدر أية كلمة اتجاه أي شخص كأننا من كان وعلى المسلم أن ينصف ويعدل في كل شيء يقول أبو ذر رضي الله عنه مما أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أقول الحق وإن كان مراًً)
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
ويقول الله عزوجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وعلى المسلم أن يتنبّه عندما يقرأ ويتثبّت، وما لا يفهمه يرجع فيه إلى كلام العلماء الربانيين الذي ينفون عن كتاب الله عز وجل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .
وإني أحملكم نشر هذه الكلمة بأمانة وصدق دون تحريف لكافة طلبة العلم ، ثمّ إنني بهذه المناسبة أنبّه الإخوة أنني لا أسمح بتسجيل خارج الدروس في المسجد، ولا أبيح أحدا أن يسجل شيئاً إلا إذا أذنت له ، لأنه كما قلت أصبح الناس يحرفون ويبدلون ويغيرون ويلزمون ويبترون حتى بعض المسلمين الذين هم أقلية في بلاد كافرة تجدهم يتهاترون بهذه الطريقة -والعياذ بالله- و لا يجتمعون على كلمة سواء وهذا داء عضال.
أقول وأؤكد لا أسمح لأحد بالتسجيل خارج الدروس التي ألقيها في هذا المكان، إلا بعد أن آذن بذلك.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

السبت، 20 نوفمبر 2010

تعليق الشيخ عبد المحسن العباد على قول الشاطبي (ينبغي عدم تعيين من ابتدع في الدين، دون البدع العظيمة)

بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق الشيخ عبد المحسن العباد على قول الشاطبي 
(ينبغي عدم تعيين من ابتدع في الدين، دون البدع العظيمة)
السؤال : نرجو بيان معنى كلام الشاطبي رحمه الله في الموافقات حيث قال: ينبغي عدم تعيين من ابتدع في الدين، دون البدع العظيمة كالخوارج، وذلك حفظاً للوحدة والألفة والمودة بين عموم المسلمين. انتهى؟

الجواب: هذا الكلام يتعلق بالعالم إذا أخطأ وكان فيه شيء من البدعة، فإنه لا يعامل معاملة أصحاب البدع الذين هم مجانبون لأهل السنة والجماعة ومخالفون لأهل السنة والجماعة.
يعني: أن من حصل منه شيء من ذلك فإنه يعذر، فلا يبدع ولا يهجر ولا يترك ما عنده من الحق بسبب ما حصل منه من الخطأ. وكم من علماء المسلمين من لا يستغني العلماء وطلبة العلم عن علمهم، ومع ذلك وقعوا في شيء من البدعة، فلو أنهم عوملوا معاملة أهل البدع؛ لم يعول على شيء مما جاءوا به وعلى ما عندهم من العلم. ومن المعلوم أن من العلماء من هو من أهل الحديث وعنده أمور منكرة فيما يتعلق بالعقيدة، كأن يكون عنده تخليط، وقد يكون ابتلي ببعض مشايخه، وغالباً ما يكون الضرر والبلاء على التلاميذ من الشيوخ إذا كانوا منحرفين. فمن كان من أهل العلم بالسنة وحصل منه شيء من الخطأ في العقيدة أو غير العقيدة لا يعامل معاملة أهل البدع كالقدرية والمعتزلة، والرافضة والخوارج، وإنما يؤخذ من علمه ويدعى له، ولا يتابع على خطئه . انتهى 
من شرح الأربعين النووية للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله .

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

لا تحزن من كلام الناس فيك

 عن الرّبيعِ بنِ صَبِيحٍ، قال: «قُلتُ للحسنِ: إنَّ -ها هُنا- قوماً يتتَبَّعُونَ السَّقَطَ مِن كلامِك؛ لِيجِدُوا إلى الوَقيعةِ فيكَ سَبيلاً!
قال: لا يَكبُرُ ذلك عليك! فقد أطْمَعْتُ نَفسي في خُلودِ الجِنان، فطمِعَت..
وأَطْمَعْتُها في جِوارِ الرَّحمنِ، فطَمِعَت..
وأطمَعْتُها في السَّلامةِ مِن النَّاسِ، فلَم أجِد إلى ذلك سبيلاً؛ لأنِّي رأيتُ النَّاسَ لا يرضُونَ عن خالِقِهِم، فعلِمْتُ أنَّهُم لا يَرضُونَ عن مَخلوقٍ مِثلِهم

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

اللقاء العلمي الثالث عشر مع فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد،،،
فجزى الله خيرا على ما قام به إخواننا في  إدارة موقع المحجة من لقاءات علمية للمشايخ الكرام ومنها هذا اللقاء الذي كان مع علم من أعلام مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله تعالى فنسأل الله العظيم أن يعينهم ويسددهم .
 وقد تفضل بالحديث عن مكانة العلماء، ووجوب احترامهم، وحرمة الوقيعة فيهم،وموقف طلبة العلم من اختلاف أهل السنة، وضوابط الرد على المخالف من أهل السنة،وكيفية التعامل مع آثار السلف،وتوجيه الآثار الواردة في الامتحان ببعض الأئمة،وحكم الإلزام باجتهادات العلماء، فجزى الله الشيخ خير الجزاء على ما تفضل به، ونسأله سبحانه أن يبارك في علمه وعمله، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ولسماع هذا اللقاء وتحميله فعلى هذا الرابط هنـا

المرض الثانى: العُجْبُ

تعريفُه: قال القرطبيُّ رحِمه اللهُ: إعجابُ المرءِ بنفسِه هو ملاحظتُه لها بعينِ الكمالِ والاستحسانِ، مع نسيانِ منةِ اللهِ تعالى، فإن رفَعها على الغيرِ واحتقره فهو الكبرُ المذمومُ([1]).
والعجب من المهلكات وهو ذنب عظيم يجلب سخط الله سبحانه وعقابه
- عن أبى هريرةَ t قال: قال النبيُّ r: "بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ تعجبُه نفسُه، مرجِّلٌ جمتَه، إذ خسَف اللهُ به، فهو يتجلجلُ إلى يومِ القيامةِ"([2]).
- وقال مطرفٌ رحِمه اللهُ: لأن أبيتَ نائمًا وأصبحَ نادمًا أحبُّ إليَّ من أن أبيتَ قائمًا وأصبحَ معجبًا([3]) .
- وعن مسروقٍ رحِمه اللهُ قال: بحسبِ الرجلِ من العلمِ أن يخشَى اللهَ U، وبحسبِ الرجلِ من الجهلِ أن يُعجبَ بعلمِه([4]).وعن سفيانَ رحِمه اللهُ قال: قال رجلٌ لعائشةَ رضِي اللهُ عنها: متى أعلمُ أني محسنٌ؟ قالت: إذا ظننت أنك مسىءٌ. قال: فمتى أعلمُ أني مسىءٌ؟ قالت: إذا ظننت أنك محسنٌ([5]).
فالعُجب من الآفاتِ الخطيرةِ التي إذا أصابت طالبَ العلمِ أدَّت به إلى التكبرِ والغرورِ والإدلالِ بالأعمالِ واحتقارِ الناسِ وجحدِ حقوقِهم؛
- قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحِمه اللهُ: وكثيرًا ما يُقرنُ الرياءُ بالعُجبِ؛ فالرياءُ من بابِ الإشراكِ بالخلقِ، والعُجبُ من بابِ الإشراكِ بالنفسِ، وهذا حالُ المستكبرِ، فالمرائي لا يحققُ قولَه: ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ [. والمعجبُ لا يحققُ قولَه: ] وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[. فمن حقَّق قولَه:
]إِيَّاكَ نَعْبُدُ[. خرَج عن الرياءِ، ومن حقَّق قولَه: ] وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[. خرَج عن الإعجابِ ([6]).
- وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ رحِمه اللهُ: اعلمْ أن العُجبَ مذمومٌ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه r ؛ قال اللهُ تعالى: ] وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا [ [التوبة:25]. ذكَر ذلك في معرضِ الإنكارِ، وقال U:] وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [ [الحشر:2 ]. فردَّ على الكفارِ في إعجابِهم بحصونِهم وشوكتِهم، وقال تعالى: ] وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُون صُنْعًا[ [الكهف:104]. وهذا أيضًا يرجعُ إلى العُجبِ بالعملِ، وقد يعجبُ الإنسانُ بالعملِ وهو مخطئٌ فيه، كما يعجبُ بعملٍ هو مصيبٌ فيه ([7]).
-وقال رحِمه اللهُ: اعلمْ أن آفاتِ العُجبِ كثيرةٌ؛ فإن العجبَ يدعو إلى الكبرِ لأنه أحدُ أسبابِه، كما ذكرناه، فيتولدُ من العجبِ الكبرُ، ومن الكبرِ الآفاتُ الكثيرةُ التي لا تخفى، هذا مع العبادِ، وأما مع اللهِ تعالى فالعجبُ يدعو إلى نسيانِ الذنوبِ وإهمالِها، فبعضُ ذنوبِه لا يذكرُها ولا يتفقدُها لظنِّه أنه مستغنٍ عن تفقدِها، فينساها، وما يتذكرُه منها فيستصغرُه ولا يستعظمُه فلا يجتهدُ في تداركِه وتلافيه، بل يظنُّ أنه يغفرُ له، وأما العباداتُ والأعمالُ فإنه يستعظمُها ويتبجحُ بها، ويمنُّ على اللهِ بفعلِها، وينسى نعمةَ اللهِ عليه بالتوفيقِ والتمكينِ منها، ثم إذا عجِب بها عمِي عن آفاتِها، ومن لم يتفقدْ آفاتِ الأعمالِ كان أكثرُ سعيِه ضائعًا؛ فإن الأعمالَ الظاهرةَ إذا لم تكنْ خالصةً نقيةً عن الشوائبِ قلما تنفعُ، وإنما يتفقدُ من يغلبُ عليه الإشفاقُ والخوفُ دون العجبِ ([8]).
ومن أسبابِ ظهورِ العجبِ بين المنتسبين للعلمِ الشرعيِّ من العلماءِ وطلبةِ العلمِ قلةُ الورعِ والتقوى، و ضعفُ المراقبةِ للهِ U، أو قد يكونُ بسببِ مدحِ الناسِ للشخصِ وكثرةِ ثنائِهم عليه مما يعينُ عليه الشيطانُ، و يؤدي في النهايةِ إلى ظهورِ هذه الآفةِ الخطيرةِ وما ينجمُ عنها من احتقارِ الناسِ، و تصعيرِ الخدِّ، و الاختيالِ في المشيِ، و التفاخرِ بالعلمِ والمباهاةِ به، و التقليلِ من شأنِ العلماءِ، و الإصرارِ على الخطأِ، و التصدرِ قبلَ التأهلِ .
ومن أدويةِ العجبِ أن يعلم المعجب بنفسه أن علمه وذكائه وجودة ذهنه وفصاحته وغيرَ ذلك من النعمِ فضلٌ من اللهِ عليه وأبتلاء منه سبحانه  لينظر هل نشكر أم نكفر وهو قادرٌ على سلبِها منه في طرفةِ عينٍ، وما ذلك على اللهِ بعزيزٍ: ]أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ[ [الأعراف: 99].


([1]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/406 .
([2]) أخرجه أحمد (10869)، والبخاري (5789)، ومسلم (2088)، والنسائي فى الكبرى (9679)، وابن حبان (5684).
([3]) أخرجه ابن المبارك فى الزهد (448)، وأحمد فى الزهد  ص241، والبغوى فى الجعديات (1892)، وأبو نعيم فى الحلية 2/200، وأبو بكر الدينورى فى المجالسة وجواهر العلم (2161) عن مطرف .
([4]) أخرجه ابن أبى شيبة (34876)، وأبو خيثمة فى كتاب العلم (15) -ومن طريقه ابن عساكر فى تاريخه57/429- عن مسروق.
([5]) أخرجه البخاري فى التاريخ الصغير1/38 من طريق سفيان، والسند فيه انقطاع كما هو واضح
([6]) مجموع الفتاوى10/277.
([7]) الإحياء 3/369.
([8]) الإحياء 3/370.

من صفات طالب العلم اجتناب أمراض القلب وسيئ الأخلاق


كما أن على طالبِ العلمِ أن يحليَ ظاهرَه بسنةِ رسولِ اللهِ r في أحوالِه كلِّها وبمجانبةِ البدعِ فعليه أيضًا أن يطهرَ قلبَه من كلِّ مرضٍ من شأنِه أن يحجزَ عنه الحفظَ و الفهمَ ويُذهبَ نورَ العلمِ و بركتَه؛ ومن ذلك الحسدُ، والعجبُ، والسمعةُ، والبخلُ، والخبثُ، والبطرُ، والطمعُ، والفخرُ، والخيلاءُ، والتنافسُ في الدنيا، والمباهاةُ بها، والمداهنةُ، والتزينُ للناسِ، وحبُّ المدحِ بما لم يفعلْ، والعمى عن عيوبِ النفسِ والاشتغالُ عنها بعيوبِ الخلقِ، والحميةُ والعصبيةُ لغيرِ اللهِ ورسولِه، والرغبةُ والرهبةُ لغيرِ اللهِ، والغيبةُ، والنميمةُ، والبهتانُ، والكذبُ، والفحشُ في القولِ، واحتقارُ الناسِ ولو كانوا دونه، وغيرُها من الأخلاقِ الذميمةِ، والقلبُ إذا صلُح انقادت له الأعضاءُ وتهيئت لقبولِ العلمِ؛
- فعن النعمانِ بنِ بشيرٍ t، أن رسولَ اللهَ r قال: "إن في الجسدِ مضغةً إذا صلُحت صلُح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الجسدُ كلُّه؛ ألا وهي القلبُ"([1]).
- قال الشافعيُّ رحِمه اللهُ([2]):
شكَوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي                        فأرشدني  إلى  تركِ المعاصي
وأخبرني بأن العلمَ  نـــورٌ                         ونورُ اللهِ لا يُهدى لعاصـي
  وفيما يلي أركزُ على مرضين من أمراضِ النفوسِ؛ وهما الحسدُ والعجبُ، منبهًا بهما على الباقي، ومن أراد المزيدَ فعليه مراجعةُ كتبِ الرقاقِ والزهدِ
المرضُ الأولُ: الحسدُ
 - قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحِمه اللهُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَسَدَ هُوَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَةُ لِمَا يَرَاهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الْمَحْسُودِ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛
أَحَدُهُمَا: كَرَاهَةٌ لِلنِّعْمَةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، فَهَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ، وَإِذَا أَبْغَضَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَأَلَّمُ وَيَتَأَذَّى بِوُجُودِ مَا يبْغضُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَرَضًا فِي قَلْبِهِ وَيَلْتَذُّ بِزَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ نَفْعٌ بِزَوَالِهَا، لَكِنَّ نَفْعَهُ زَوَالُ الْأَلَمِ الَّذِي كَانَ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الأَلَمَ لَمْ يَزُلْ إلا بِمُبَاشَرَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ رَاحَةٌ وَأَشَدُّهُ، كَالْمَرِيضِ الَّذِي عُولِجَ بِمَا يُسَكِّنُ وَجَعَهُ وَالْمَرَضُ بَاقٍ؛ فَإِنَّ بُغْضَهُ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ مَرَضٌ، فَإِنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ قَدْ تَعُودُ عَلَى الْمَحْسُودِ وَأَعْظَمَ مِنْهَا، وَقَدْ يَحْصُلُ نَظِيرُ تِلْكَ النِّعْمَةِ لِنَظِيرِ ذَلِكَ الْمَحْسُودِ، وَالْحَاسِدُ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ؛ لَكِنَّ نَفْسَهُ تَكْرَهُ مَا أُنْعِمَ بِهِ عَلَى النَّوْعِ، وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ. فَإِنَّ مَنْ كَرِهَ النِّعْمَةَ عَلَى غَيْرِهِ تَمَنَّى زَوَالَهَا بِقَلْبِهِ.
والنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكْرَهَ فَضْلَ ذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَيْهِ، فَيُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَهَذَا حَسَدٌ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّوْهُ الْغِبْطَةَ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ r حَسَدًا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:"لَا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ". هَذَا لَفْظُ ابْنِ مَسْعُودٍ([3])، وَلَفْظُ ابْنِ عُمَرَ:"رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ فِي الْحَقِّ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ"([4]).
فتلخص مما سبق أن الحسد منه مذموم ومنه محمود فإذا أطلق لفظ الحسد فهو عائد - غالبا - على المذموم أما المحمود فهو الغبطة وغالبا لا يطلق عليه الحسد إلا مقيدا.
- والحسدُ أولُ ذنبٍ عُصِى اللهُ به فى السماءِ؛ قال تعالى: ] وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [ [الكهف:50]. وقال تعالى: ]قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[ ]الأعراف:12[.وهو أولُ ذنبٍ عُصِي اللهُ به في الأرضِ؛ قال تعالى: ] وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [ [المائدة:27].وكاد أن يقتلَ يوسفَ u إذ حسَده إخوتُه؛ كما قال تعالى: ]إذ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [ [يوسف:8، 9].وهو السببُ في صدِّ الكفارِ من اليهودِ والنصارى عن سبيلِ اللهِ؛ قال تعالى ] وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [ [البقرة:109].
بل هو السببُ في كفرِ اليهودِ أصلًا؛
- قال ابنُ إسحاقَ رحِمه اللهُ: وحدَّثني عاصمُ بنُ عمرَ بنِ قتادةَ ،عن رجالٍ من قومِه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلامِ - مع رحمةِ اللهِ تعالى وهُداه لنا- لما كنا نسمعُ من رجالِ يهودَ؛ كنا أهلَ شركٍ أصحابَ أوثانٍ وكانوا أهلَ كتابٍ عندهم علمٌ ليس لنا، وكانت لا تزالُ بيننا وبينهم شرورٌ، فإذا نلنا منهم بعضَ ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمانُ نبيٍّ يُبعثُ الآنَ نقتلُكم معه قتلَ عادٍ وإرمَ . فكنا كثيرًا ما نسمعُ ذلك منهم، فلما بعَث اللهُ رسولَ اللهِ r أجبْناه حين دعانا إلى اللهِ وعرَفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفَروا به، ففينا وفيهم نزَلت هذه الآيةُ: ] وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [ [البقرة:89]([5]).
 والحسدُ المذمومُ قد نهَى عنه النبيُّ r ؛
- فعن أبى هريرةَ t قال :قال رسولُ اللهِ r: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَنَافَسُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ " ([6]).
 بل سمَّاه النبيُّ r الحالقةَ؛ لأنها تحلقُ الدينَ؛
- فعن الزبيرِ بنِ العوامِ t قال: قال رسولُ اللهِ r:" دبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلكم؛ الحسدُ والبغضاءُ، البغضاءُ هي الحالقةُ، لا أقولُ تحلقُ الشعرَ، ولكن تحلقُ الدينَ، والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا ([7]) حتى تحابوا، ألا أنبئُكم بما يثبتُ ذلك لكم؟ أفشوا السلامَ بينكم"([8]).
فالحسدُ بين الأقرانِ في طلبِ العلمِ إذا كان من النوعِ الثانيِ فلا بأسَ، بل هو دافعٌ على الاجتهادِ، أما إذا صار إلى النوعِ المذمومِ فهنا مكمنُ الخطورةِ؛ فهو يؤدي إلى التنافرِ و التناحرِ والغِيبةِ وغيرِها، وقد يفتحُ من أبوابِ الشرِّ ما لا يعلمُه إلا اللهُ، نسألُ اللهَ السلامةَ والهدايةَ، لذا لا بدَّ من وأْدِ دافعِ الحسدِ في مهدِه.


([1])أخرجه أحمد (18374)، والبخاري (52)، ومسلم (1599)، والترمذي (1205)، وابن ماجه (3984).
([2]) ديوانه ص46.
([3]) أخرجه أحمد (4109)، والبخاري (73 ،1409)، ومسلم (816)، والنسائي فى الكبرى  (5840)، وابن ماجه (4209).
([4]) مجموع الفتاوى10/112،111.والحديث أخرجه أحمد (6403)، والبخاري (5025)، ومسلم (815)، والترمذي (1936)، والنسائي فى الكبرى (8072)، وابن ماجه (4209). وأخرجه أحمد (10214)، والبخاري (5026)، والنسائي فى الكبرى (8073) من حديث أبي هريرة.
([5]) سيرة ابن إسحاق(62) ومن طريقه ابن جرير فى تفسيره  2/237، والبيهقي فى الدلائل2/433،75.
([6]) تقدم تخريجه.
([7]) قال النووى رحمه الله : هكذا هو فى جميع الأصول والروايات : "ولا تؤمنوا " . بحذف النون من آخره، وهى لغة معروفة صحيحة .
([8]) أخرجه أحمد (1430)،والترمذي(2510) من حديث الزبير . وأخرجه أحمد(10177،9709)، ومسلم (54)، وأبو داود (5193)، والترمذي (2688)، وابن ماجه (68)، وابن حبان (236) من حديث أبى هريرة دون الشطر الأول.