بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 أكتوبر 2010

الإخلاص

الإخلاصُ للهِ تعالى في الطلبِ من أهمِّ الصفاتِ التي يجبُ على العالم وطالبِ العلمِ التزامها، فهو قاصدٌ بعلمه وجهَ اللهِ والدارَ الآخرةَ، وإحياءَ الشريعةِ، وتنويرَ قلبه، والدعوةَ إلى اللهِ تعالى، والدفاعَ عن دينه I، حاذرْ من الرياءِ والسمعةِ، والمفاخرةِ و المباهاةِ به، وحبِّ الرئاسةِ وحبِّ الظهورِ، والاستعلاءِ على الأقرانِ.

- قال الخطيبُ رحِمه اللهُ: وليتقِ المفاخرةَ والمباهاةَ به، وأن يكونَ قصدَه في طلبِ الحديثِ نيلُ الرئاسةِ واتخاذُ الأتباعِ وعقدُ المجالسِ؛ فإن الآفةَ الداخلةَ على العلماءِ أكثرُها من هذا الوجهِ ([1]).

- وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ رحِمه اللهُ: أما بعدُ، فاعلمْ أيها الحريصُ المقبلُ على اقتباسِ العلمِ، المظهرُ من نفسه صدقَ الرغبةِ وفرطَ التعطشِ إليه، أنك إن كنت تقصدُ بالعلمِ المنافسةَ والمباهاةَ والتقدمَ على الأقرانِ، واستمالةَ وجوهِ الناسِ إليك، وجمعَ حطامِ الدنيا، فأنت ساعٍ في هدمِ دينك، وإهلاكِ نفسك وبيعِ آخرتِك بدنياك، فصفقتُك خاسرةٌ، وتجارتُك بائرةٌ، ومعلمك معينٌ لك على عصيانِك، وشريكٌ لك في خسرانِك، وهو كبائعِ سيفٍ لقاطعِ طريقٍ ([2]).

- وقال ابنُ جماعةَ رحِمه اللهُ: واعلمْ أن جميعَ ما ذُكِرَ من فضيلةِ العلمِ والعلماءِ إنما هو في حقِّ العلماءِ العاملين الأبرارِ المتقين الذين قصدوا  به وجهَ اللهِ الكريمِ، والزلفى لديه في جناتِ النعيمِ، لا من طلَبه بسوءِ نيةٍ، أو خبثِ طويةٍ، أو لأغراضٍ دنيويةٍ من جاهٍ أو مالٍ، أو مكاثرةٍ في الأتباعِ والطلابِ ([3]).     

التأصيلُ الشرعيُّ لوجوبِ التزامِ الإخلاصِ في الطلبِ:

- والأصلُ في ذلك قولُه تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[ [البينة: 5].

وطلبُ العلمِ من جملةِ العباداتِ، فيجبُ تحري الإخلاصِ فيه .

- وعن أبي هريرةَ t، عن النبيِّ r أنه قال:"إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ: جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ.ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ" ([4]).

وقد سار سلفُنا الصالِحُ على هذا المنهجِ، فنقِل عنهم شدةُ تحريهم للإخلاصِ، و الخوفُ من الرياءِ و الشركِ؛
 
- قال سفيان
ُ الثوريُّ رحِمه اللهُ: ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي ([5]).

- وقال أبو يوسفَ رحِمه اللهُ: يا قومُ، أَريدوا بعلمِكم اللهَ تعالى؛ فإني لم أجلسْ مجلسًا قط أنوي فيه أن أتواضعَ إلا لم أقمْ حتى أعلوَهم، ولم أجلسْ مجلسًا قط أنوي فيه أن أعلوَهم إلا لم أقمْ حتى أفتضحَ ([6]).

- وقيل لعلقمةَ رحِمه اللهُ: ألا تقعدُ في المسجدِ فيجمعَ إليك وتسألَ ونجلسَ معك؛ فإنه يسألُُ منَ هو دونك. قال: فقال علقمةُ: إني أكرهُ أن يوطأَ عقبي؛ يقالُ: هذا علقمةُ، هذا علقمةُ ([7]).

- وقال الشافعيُّ رحِمه اللهُ: لودِدت أن الخلقَ تعلمُه، ولم ينسبْ إليَّ منه شيءٌ أبدًا ([8]).    

- وقال رحِمه اللهُ: ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئَ ([9]). وكان يقولُ: ما ناظرت أحدًا إلا على النصيحةِ ([10]).



([1]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/85.
([2]) مقدمة كتاب بداية الهداية .
([3]) تذكرة السامع والمتكلم ص13 .
([4])  أخرجه  أحمد (8277)، ومسلم (1905)، والترمذي (2382)، والنسائي  (3137) .
([5]) أخرجه الخطيب في الجامع 2/288 عن سفيان .   
([6]) أخرجه وكيع في أخبار القضاة 3/258، والخطيب في الفقيه والمتفقه (670) عن أبي يوسف .
([7]) أخرجه ابن المبارك في الزهد (1390)، وابن سعد 6/88، وأبو خيثمة في كتاب العلم (24)، وأبو نعيم في الحلية 2/100 عن علقمة.
([8]) أخرجه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي ص 91 ، وابن حبان عقب (2125)، وأبو نعيم في الحلية 9/118 عن الشافعي .
([9]) أخرجه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي ص 91 -  93، و ابن حبان عقب (2125)، و أبو نعيم في الحلية 9/118 عن الشافعي .
([10]) أخرجه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي ص 92، و أبو نعيم في الحلية 9/118، و الخطيب في الفقيه و المتفقه 2/50 عن الشافعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق