بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 ديسمبر 2010

الصبر على الطلب (1)

من أهمِّ الصفاتِ التي يجبُ على طالبِ العلمِ التحلِّي بها هي الصبرُ؛ ذلك أن طلبَ العلمِ دربٌ من الجهادِ؛ ففيه السفرُ والترحالُ، وفيه الجوعُ والألَمُ، وفيه السهرُ والنصبُ، فمن أراد العلمَ يجبُ أن يوطنَ نفسَه على تحملِ كلِّ ذلك، والأصلُ في ذلك أمر ربنا تبارك وتعالى لنا بالصبر على كل أمور الطاعة
- قال تعالى: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ [آل عمران:200]. وطلب العلم من جملة الطاعات.
- وعن أبى هريرةَ t قال :قال رسولُ اللهِ r: "حُفَّت الجنةُ بالمكارهِ"([1]).
 إن هذا العلمَ ميراثُ النبوةِ، ومن حكمةِ اللهِ I أن لا يعطيَه إلا من صبَر؛ ليميزَ اللهُ الخبيثَ من الطيبِ، فالعلمُ لا يُنالُ بالراحةِ والدعةِ، وإنما بالصبرِ والمجاهدةِ؛
- عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ رحِمه اللهُ قال: لا يُستطاعُ العلمُ براحةِ الجسمِ([2]).
- وقال مالكٌ رحِمه اللهُ:إن هذا الأمرَ لن يُنالَ حتى يُذاقَ فيه طعمُ الفقرِ ([3]).
- وقال الشافعىُّ رحِمه اللهُ: لا يطلبُ أحدٌ هذا العلمَ بالملكِ وعزِّ النفسِ فيفلحَ، ولكن من طلَبه
بذلِّ النفسِ وضيقِ العيشِ وخدمةِ العلماءِ أفلح ([4]).
-و عن عبدِ العزيزِ الطائيِّ رحِمه اللهُ قال: من طلَب الحديثَ أفلس([5]).
ومن نماذج الصبر على الطلب ما حكاه ربُّنا I عن خروجِ موسى u في طلبِ العلمِ إلى الخضرِ u حتى وصَل إلى ساحلِ البحرِ، وصبرُه على ما لاقاه في سفرتِه هذه من التعبِ والنصبِ؛ قال تعالى : ] وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)  فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [ [الكهف:60-69].


([1])أخرجه أحمد (7530)، والبخاري (6487)، ومسلم (2823)، وأبو داود (4744)، والترمذي (2560)، والنسائي (3703)، وابن حبان (719). وأخرجه أحمد (14030)، ومسلم (2822)، والترمذي (2559)، وابن حبان (716)من حديث أنس. وعند البخاري بلفظ:"حجبت".وعند أبى داود والترمذي الموضع الأول والنسائي مطولا فى قصة خلق الجنة والنار.
([2]) أخرجه مسلم (612/175) عن يحيى.
([3]) أخرجه ابن عبد البر فى جامع بيان فضل العلم وأهله 1/97 من طريق مالك.
([4]) أخرجه أبو نعيم فى الحلية 9/119، والرامهرمزى فى المحدث الفاصل1 /202، والبيهقى فى الشعب (1733)، والخطيب فى الفقيه والمتفقه 2/184، وابن عبد البر فى جامع بيان فضل العلم وأهله 1/98 عن الشافعى .
([5]) أخرجه الخطيب فى الجامع 1/97 عن عبد العزيز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق