الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد فلا ريب أن الرئيس الليبي معمرا القذافي ظالم ضال ، وكتابه الأخضر ، وفعاله على الأرض ، شاهدعليه ، وكفى بالله شهيدا .
ولا أشبه حاله اليوم إلا بحال فرعون الذي قال الله فيه : ( حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت بالذي آمنت بنوإسرائيل وأنا من المسلمين ) ، ومن قبلُ أخبر عنه أنه قال : ( ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولايكاد يبين ) وأنه قال : ( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ) وأنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ) .
وفي هذه الأيام حاول أن ينقذ هذا الباطني نفسه بنشر فتاوى علماء السنة المعروفين كالعلامة ابن باز والعلامة الألباني والعلامة ابن عثيمين رحمهم الله ، وسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالمحسن العباد حفظهم الله ، وغيرهم من العلماء المتمسكين بهدي السلف الصالح ، في تحريم المظاهرات ووجوب السمع والطاعة للسلطان المسلم وتحريم الخروج عليه ، على وسائل إعلامه، فجيره بعض الموتورين من ذوي التوجهات الفكرية والحزبية المنحفة على أنه تأييد من العلماء السلفيين للقذافي ، وهم يعلمون أويتجاهلون بطلانه ، والعلماء يفرقون في النسبة بين الحكم الشرعي العام وتنزيله على وقائع الأعيان ، والقذافي حاول أن يجير الحكم العام لصالحه ، وهؤلاء الموتورون حاولوا كسب نشر القذافي لهذه الفتاوى العامة لصالحهم ؛ للطعن في علماء السنة ، وتشويه صورتهم ( والله يعلم المفسد من المصلح ) .
ولبيان الحقيقة ، والرد على كلتا الطائفتين : الطائفة القذافية ؛ والطائفة الحزبية الخارجة عن طريقة السلف الصالح في التنظير والتطبيق : إليكم حقيقة السلفية ؛ إقامة للحجة ، وبراءة للذمة ، وكشفا للشبهة ؛ حتى لا يدعى على السلفية ماليس منها ، ولايتقمصها أويقمصها من ليس من أهلها ، أويؤذى علماؤها بما ينسب إليهم زورا وبهتانا .
والمنصف الذي يطلب الحق ، ولايتبع الهوى ، ويخاف مقام ربه ، سيقف ـ بإذن الله ـ على الحق ، ويقطع بانحراف الطائفتين .
ماهي السلفية ؟
سلف هذه الأمة من الصحابة وأتباعهم هم أهل الحق ، والأمة الوسط ، وحزب الله المفلح ، والفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة ، أهل الحديث والأثر، والسنة والجماعة ، أثنى الله عليهم، وأوجب اتباعهم ، وحصر الحق المطلق فيهم ،قال الله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقال : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولاتطغوا إنه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) وقال : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ) وقال : ( فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) وقال : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ماتذكرون) وقال : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) .
هذا المنهج السلفي القويم موافق للفطر السليمة ، والعقول الصحيحة ، سالم من التناقض والاضطراب، باعث على الطمأنية في النفوس ، شامل للعقيدة والشريعة والسلوك والآداب ، لاينِد عنه شيء من أمور الدين والدنيا إلا وهو هاد إلى الحق فيه ، وكيف لايهدي إلى الحق ، والكتاب والسنة إمامه ، والتسليم للنصوص والإذعان لها دثاره وشعاره ، قال أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ( لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وقال الإمام الزهري رحمه الله : ( من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، ومنا التسليم ) . وقال الإمام مالك رحمه الله : ( التسليم للسنن لاتعارض برأي ولاقياس ) .
في هذا المنهج السلفي القويم : يقف المؤمن حيث وقف السلف رضي الله عنهم ورحمهم في الفهم والعمل ؛ فإنهم أكمل علما وإيمانا بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) خرجه الشيخان من حديث عمران وابن مسعود رضي الله عنهما . قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : ( اصبر على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك السلف الصالح ؛ فإنه يسعك ما وسعهم ) . وقال الإمام الشافعي رحمه الله : ( هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا ) .
في المنهج السلفي : ليس ثمة تعصب إلا للحق ، مع لزوم العدل والإنصاف ، وترك المراء والجدال بغير حق ، ورد المتشابه إلى المحكم، والبراءة من البدع وهجر أهلها ، ورحمة الخلق ، والنصيحة لهم ، والشفقة عليهم .
في المنهج السلفي : الاجتماع الذي أراده الله ، وهو الاجتماع على الحق ، يأتمون بالكتاب والسنة ، ويردون إليهما عند التنازع ، ويزنون أعمال العباد بهما ، فما وافقهما فالحق .
المنهج السلفي : ليس محدودا بزمان ولامكان ولا أعيان ولاأحوال ، بل هو منهج قائم ، من سلكه كان على الهدى ، نسبه متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملته الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وانتماؤه شرعي ، ليس فيه تحزب لقطر ؛ ولاعرق؛ ولا لون ؛ ولا لغة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله : ( لا عيب على من أظهر مذهب السلف ، وانتسب إليه واعتزى إليه ، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق ؛ فإن مذهب السلف لايكون إلا حقا ) .
من لم يستقم على المنهج السلفي تخطفته الأهواء ، وأضلته الشياطين ، وصار إلى حيرة من أمره ، وكان في صدره من الضيق والحرج بحسب بعده عن هذا المنهج . فماعبد القبوريون القبور واستغاثوا بأهلها إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وما قدمت المعتزلة عقولهم وحكموها في الوحي وأعرضوا عن التزيل إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وما عطلت الجهمية والأشاعرة رب العالمين عن كماله الواجب في علو واستوائه على عرشه ، وأسمائه وصفاته ، ورؤية أهل الجنة له ، إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وما خرجت الخوارج على أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون برها وفاجرها ، ويكفرون أهل الكبائر من هذه الأمة ، إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وماافترته المرجئة من خروج الأعمال عن مسمى الإيمان ، إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وما أوغلت الصوفية في تعطيل الأسباب ، والتقرب إلى الله بالسماع والأناشيد ، والانغماس في الفواحش ، إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، ومافضلت الرافضة أئمتهم على الأنبياء والمرسلين ، وزعمت تحريف القرآن ونقصانه ، وكفرت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا، إلا حين انحرفوا عن منهج السلف ، وما من بدعة من البدع ولامحدثه في العلم والعمل والتربية إلا وسببها الانحراف عن منهج السلف قصدا أو جهلا .
والحمد لله رب ا العالمين .